في السبعينات والثمانينات كانت إحدى القنوات الإذاعية تقدم برنامجاً تحت عنوان «حدث غداً»، في مقتبل حياتي الجامعية، لم أستوعب تلك «المغالطة» اللغوية، حيث تعلّمنا منذ المراحل الأساسية أن للفعل ظرفاً زمانياً يلائمه، أما «حدث غداً» فهي صيغة تزعج أذني اللغة.

القمة الحكومية في دبي أعادتنا إلى الصيغة ولكن على نحو غير لغوي، حيث تجسّد المستقبل واقعاً ساقطاً على الحواس الخمس، فبات من غير المبالغة القول: اليوم هو الاثنين التاسع من فبراير من عام 2035.

ما إن دخلنا «متحف الخدمات الحكومية المستقبلية» حتى انكمش الزمن واختزلته نخبة من مبدعي الإمارات فوضعت رواد المتحف في مشهد مجسّد لما هو عليه حال العلم في العام 2035. باختصار أصبح المستقبل حاضراً أمام ناظريك.

بعد الخطوة الأولى في المتحف غير التقليدي، بطبيعة الحال، تجد على يمينك ما يهيئك للقفز زمنياً للأمام: «مرحباً بك في المستقبل». وتقرأ: تعكس هذه الرؤية كيفية تحويل الخدمات الحكومية للأفضل في السنوات المقبلة من خلال استخدام التكنولوجيا المتقدّمة. من خلال الواقع المعزّز والروبوتات والذكاء الاصطناعي، سيكشف المتحف عن الإمكانات التي يخبئها المستقبل.

إن بناء المستقبل مهمّة تتطلّب جهداً كبيراً وطاقة نشيطة ورؤية طموحة. قد يكون المستقبل غير مؤكّد، ولكن بتعاون المواطنين مع الحكومة والقطاع الخاص سنتمكّن من بناء عالم أفضل. ثم تبدأ الرحلة الملهمة في رحاب المستقبل المتخيّل للخدمات الحكومية.

الإحساس بالمكان

ها نحن ندخل غرفة العلم لنجد أنفسنا فوق المريخ. هذا تولّد الإحساس المكانّ المكوّر يصنع الإحساس غير الأرضي، والجغرافية المرّيخية أمامنا بهضابها وتعرّجاتها وصخورها ذات الطبيعة الخاصة التي اعتدنا رؤيتها في البرامج التلفزيونية. ينبثق فوق قلعة صغيرة علم الإمارات مرفرفاً قرب بيت زجاجي مصمّم على نحو يراعي البيئة والجاذبية والمواصفات الخاصة ببيئة المرّيخ.

«سطح المريخ» من تصميم مهندسين إماراتيين أنشأوا هذه المنظومة ثلاثية الأبعاد ليضعوا طلبة العلم أمام فكرة فحوها أن «لا شيء مستحيلاً». هذا يشرح أحد المشرفين على المكان. هذه الحالة المشهدية هدفها القول للنشء من الطلبة إن ما نتصوره مستحيلاً يجب أن يتحوّل إلى واقع بالفكر الإبداعي والعلم والمشحون بالإرادة والإصرار والعمل.

الفكر الابداعي

التضاريس لسطح المريخ، أما الإضافات الإنشائية فهي البرنامج العلمي الذي يستفز الفكر الإبداعي من أجل تحقيق الهدف. ليتخيّل الطالب أن سؤالاً من نوع: لماذا لا نعيش يوما ما على سطح المريخ؟ يبدو علمياً ومنطقياً وقابلاً للإجابة. هنا يجتمع خيال الفنان مع علم المهندس. هنا يستجمع الفنان مخيّلته الإبداعية ليستفز عقل المهندس ويضعه على منصّة تحويل المتخيّل إلى واقع.

وإذ يفكّر في الإقلاع يجد على جانبه قمراً صناعياً جاهزاً للانطلاق، يقول المهندس المشرف عنه إنه مجسّم يحاكي قمراً صناعياً حقيقياً، من حيث الشكل والمضمون، الجسم والمحرّك.

يشرح المشرف: «نحن كمهندسين نعتقد أنه لا يوجد شيء مستحيل... الشيء الذي تستطيع التفكير به يجب أن تقوم به.. ما كنا نحسبه قبل خمسة عشر عاماً مستحيلاً أصبح الآن واقعاً».

نمذجة الخدمات

كل يوم يعتقد الزائر لدبي أو حتى المقيم فيها أن المدينة لامست سقف الطموحات.. فماذا بعد؟ يكتشف الزائر، كما المقيم، أن دبي لم تضع سقفاً من الأساس لطموحاتها، وأنها تتعامل مع أفق وليس سقفاً أو حدوداً. هذا ما تلمسه وأنت تدخل ركناً في المتحف يسمى «نمذجة الخدمات الحكومية».

الفلسفة هنا تقوم على أساس تصور مستقبلي يقوم على أساس أن الحكومة تأخذ رأي المواطنين والمقيمين على تنفيذ الأفكار، ولهم الاستعانة بالوزارات والدوائر لتحقيق هذه الغاية. كما أن المعروض هنا يمثّل قفزة مداها عشرون عاماً على وجه التقريب ووفق العقل الطموح لدبي. ثمّة ثلاث نماذج لسيارات لا يجمعها بالسيارات التي نراها الآن سوى العجلات والمقود والحركة.

النموذج الأول «سيارة الخدمات الحكومية» التي ستتوجّه إلى صاحب الطلب بدل أن يذهب للدوائر الخدميّة. النموذج الثاني لسيارة تلعب في الآن ذاته دور صالة رياضية، فالشخص الذي يقودها يجلس على مقعد يشبه درّاجة هوائية بحيث يحرّك ساقية أثناء توجّهه إلى غايته، فضلاً عن احتوائها على ألعاب أخرى.

http://www.albayan.ae/across-the-uae...2-10-1.2308378